أخبار رئيسيةأخر الاخبارمقالات

قمة جدة وقمة المقاومة

كتب البير خوري:


*وسط شلل مؤسساتي تام وكامل، وطوفان أزمات من كل نوع وحجم يجرف البلاد الى حيث البكاء وصرير الأسنان..في هذا الوسط،مؤسف جدا أن يستمر افرقاء لبنانيون على عنادهم، فاعتبروا مناورات المقاومة أمس بالذخيرة الحية،تحد لهم وتعد على سيادة لبنان وأمنه واستقراره.
اغلب الظن ان المعاندين لم يقرأوا،او قرأوا ولم يستوعبوا- ولن يستوعبوا-التغيرات الجذرية على المستويات الدولية والاقليمية والعربية، وما نتج من توصيات قمة جدة، لا في الشكل ولا في المحتوى.
في الشكل، جلست سوريا على مقعدها الطبيعي في جامعة الدول العربية. لم تعد إلى الحضن العربي كما يقال، لأنها لم تذهب حتى تعود. بقيت على قرارها وخيارها في مواجهة أصوليين مرتزقة وإرهابيين، تدعمهم واشنطن ودول اوروبية وبعض العرب بالمال والسلاح والخبراء.. عاندت دمشق وصمدت إحدى عشرة سنة،ليكتشف القادة العرب،ولو متأخرين ان سوريا تستمر قلعة الصمود العربي القادرة على قلب الموازين وتحويل المؤامرات عليها الى انتصارات لها.قرأ الرئيس بشار الأسد المستجدات والمتغيرات،وما يطبخ في كواليس السياسات الدولية لتفتيت العرب وانضاج خطة ترسم معالم الشرق الأوسط الجديد.
في المحتوى، وحسنا فعل راعي القمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأن جعل القضية الفلسطينية تتصدر خطابه الافتتاحي اعاد بن سلمان فلسطين الى الواجهات العربية والاقليمية والدولية بعدما كادت ان تنجرف في طوفان أزمات امتدت لأكثر من عقد سقطت فيه رؤوس وقيادات،وانفجرت حروب أهلية ما زالت مستعرة حتى اليوم في ليبيا والعراق والسودان، وكادت أن تجرف معها لبنان وفلسطين ومصر.
أكّد بن سلمان في كلمة افتتاح القمة الثانية والثلاثين للجامعة العربية أن دولة فلسطين الحرة والمستقلة،تتطلب كل “الكفاحات”بدءا بالسياسة، ومرورا والاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية..”وقال:
“العرب يملكون في تاريخهم وحضارتهم وناسهم وأرضهم ثروات وكنوز هائلة اِن توحًدت وأُحسن استعمالها صارت قوة عظمى تملك إرادتها وقراراتها بقوتها الذاتية،فلا تبقى فلسطين رهينة اللعبة الدولية ولا ايضا تحت السيف الاسرائيلي الذي استباح لعقود طويلة أعناق الأطفال والنساء والشيوخ،فضلا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وكل القيم والتراث العظيم الذي جعل القدس مملكة السلام على الأرض.
وفي المحتوى ايضا، تخلًت السعودية عن تحفظاتها حول المقاومة المسلحة. لم يعلن بن سلمان ذلك بكلام مباشر،لكنه اوحى ان الكفاح المسلح وسيلة تضاف الى الوسائل السياسية والدبلوماسية قوتها وتأثيرها.مواقف تعدًت حدود الحذر إلى الجزم واتخاذ المبادرة،حتى لا يبقى العرب خارج تحديات المستقبل.. مستقبل صعب ومعقًد يتطلب اللحاق به انتفاضة سياسية اقتصادية علمية ثقافية..وقبل هذا وذاك،تطور الفكر العربي انقلاب جذري على العشائرية والقبلية التي تتحكم بالأمة منذ عقود طويلة،وما زالت نافذة حتى اليوم في بعض الأنظمة العربية.
وفي المحتوى ايضا وايضا، وهذا ما غابت عن أذهان المعاندين العرب، عن قصد أو عن غباء، ان قمة جدة وفًرت للمقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي، في داخل فلسطين وخارجها،غطاء شرعيا للاستمرار.وبذلك تكون الرياض قد كسرت النفوذ الغربي في المنطقة، وخصوصا النفوذ الأميركي،وفصلت بين شرعية المقاومة للاحتلال وبين الأصوليات الإرهابية تماما كما نصًت شرعة حقوق الانسان. لقد تمكنت السعودية وبقرار واحد جازم من إخراج العرب من جلباب واشنطن،وتسفيرها الى المدايات الجغرافية الشرقية والغربية الواسعة،كم وفًرت للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية عموما، مشروعية التصدي المسلح لاستعادة فلسطين ومملكة السلام في القدس الشريف..
هذه المشروعية المحقة والعادلة،تجسًدت على أوسع ما يكون، في مناورات المقاومة اللبنانية الأخيرة بالذخيرة الحية، وهي رسالة واضحة المعالم.
وكذلك في الحضور السوري الذي وضع المقاومة في اوجً انتصاراتها على المؤامرات الدولية والارهاب. صحيح أن الطريق صعبة وشاقة،لكن ما مات حق وراءه مطالب.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock